النعمة
فى ميلاد
المسيح
النعمة هي عطية مجانية يعطيها الله لأولاده.
وأصل الكلمة في اللغة اليونانية "خاريزما" وهي منحة كان يعطيها الملك في
يوم عيد ميلاده أو عيد جلوسه على العرش. وكان يعطيها للجنود وموظفي الدولة ليس
لاستحقاقهم لها ولا لشئ عملوه، بل دليل على كرم الملك. واقتبس بولس الرسول التعبير
ليشير به لعطية الله لنا بالمسيح. فالله أرسل
المسيح والمسيح فدانا على الصليب،
وبناء على الفداء أرسل المسيح روحه القدوس ليحل فينا، كل هذه العطايا أعطاها
لنا دون استحقاق منا ولا لبر عملناه، بل بمقتضي رحمته ومحبته أعطانا هذه النعمة
أي العطايا المجانية.
لكن من الذي يمتلئ من النعمة. نجد أن بولس
الرسول، أكثر من تكلم عن النعمة والخلاص بالإيمان، نجده يقمع جسده ويستعبده
(1كو27:9)
ونجده يجاهد الجهاد الحسن
(2تي7:4)
فالنعمة لا تعطي إلا لمن يستحقها ولمن يجاهد
ويطلب بإلحاح. وهذا ما قاله اباء الكنيسة.
ولابد أن نفرق بين نوعين من النعمة:
1. نعمة أخذناها دون عمل منا ودون استحقاق منا
مثل
(خلقنا بل خلقنا على صورة الله/ كل عطايا الله
لنا مادية وروحية/ الفداء/ الروح القدس الذي حل فينا/ المجد المعد لنا/ القيامة من
الموت/ التبني.
2.
النعمة بمفهوم القوة التي تعمل
فينا فتغير طبيعتنا فنصير خليقة جديدة، وهذه تستلزم الجهاد.. فحتى نمتلئ نعمة يجب
أن نمتلئ من الروح القدس، وهذا يستلزم الصلاة بلجاجة.
· إذاً الله قدم نعمة مجاناً لكن حتى نستفيد
منها علينا أن [1] نؤمن [2] نعتمد [3] نجاهد. ولاحظ ان الرب قال "لأنكم بدونى
لا تقدرون ان تفعلوا شيئا "
(يو 15: 5 )
فهو لم يقل انا ساعمل بل انتم تعملون وبي تقدرون
ان ينجح عملكم. وبنفس المفهوم " قوتى في الضعف تكمل"
(2كو 12: 9 ).
والنعمة بهذا تكون هي عمل الروح القدس في المؤمن
بالمسيح وفدائه. وطالما هي عمل الروح القدس، فنحن نعلم أن الروح القدس يُعطى لمن
يسألونه (مت11:7+ لو13:11), ومن هاتين الآيتين نفهم أن الروح القدس هو عطايا الله
الصالحة التي أعطاها لنا نحن المؤمنين، ولكنه يُعطى لنا أي يملأنا قوة تعمل فينا
حينما نسأله بلجاجة، أي حينما نشعر بضعفنا و باحتياجنا له فنصرخ طالبين الإمتلاء
بالروح. وهذا هو معنى كلام السيد
المسيح في (يو37:7-39) فالذي تجري
من بطنه أنهار الماء الحي، أي الذي يمتلئ ويفيض من الروح القدس هو من يشعر
بالاحتياج. وهذا يتفق مع قول السيد
المسيح طوبى للجياع والعطاش للبر
لأنهم يشبعون (مت6:5). فكلما جاهد المؤمن في حياته، يمتلئ من الروح القدس، أي
يمتلئ من النعمة ولذلك يطلب منا الرسول بولس قائلاً:
"إمتلئوا بالروح" (أف18:5). وكلما جاهدنا كلما امتلأنا نعمة فوق نعمة.
وبولس حينما قال امتلأوا بالروح هنا، لم يقل هذا
وسكت. فالإمتلاء بالروح هو نعمة أي عطية إلهية. لكن لا توجد نعمة دون جهاد، لذلك
أكمل بولس بالجهاد المطلوب ووضع لنا المنهج وقال
(سبحوا/ اشكروا/ اخضعوا..)
وكلما فعلنا امتلأنا نعمة فوق نعمة.
إذاً قول القديس يوحنا "ومن ملئه نحن
جميعاً أخذنا ونعمة فوق نعمة يعني أن الروح القدس حلًّ بملئه على المسيح
ونحن بثباتنا في المسيح الرأس صار لنا أن نحصل على الروح القدس، ونحن
لا نمتلئ من الروح القدس كما امتلأ المسيح، وإلا صرنا آلهة، لكن نحن نأخذ قدر
احتمالنا وكلما جاهدنا نمتلئ أكثر ولكن في حدود محدودية بشريتنا، نمتلئ نعمة فوق
نعمة، لنصل لصورة المسيح (غل19:4)
وجهادنا لكي نمتلئ من الروح أو من النعمة
ينقسم إلى:
1- جهاد إيجابي: وهذا يعني جهادنا في الصلاة
والأصوام.. الخ
2- جهاد سلبي: وهذا يعني أن نعتبر أنفسنا أموات
أمام الخطية
والجهاد الإيجابي أوالسلبي لهما معنى التغصب، أي
أن أغصب نفسي على عمل الشئ المطلوب، وبالتغصب نحصل على ملكوت السموات (مت12:11).
فيجب علينا أن نغصب أنفسنا على الصلاة ونغصب أنفسنا على الصوم.. وهكذا. وأيضاً من
جهة الجهاد السلبي يجب أن نغصب أنفسنا ونمتنع عن الخطايا المحبوبة (فمن عينه تجول
لتشتهي العالم عليه أن يسير واضعاً عينه في التراب، ناظراً للأرض ويقول في نفسه..
أنا ميت فلماذا أشتهي. ومن يُعْثرَهُ مكان معين عليه ألا يذهب إليه غاصباً نفسه ضد
إرادته المنحرفة).
ومن يجاهد غاصباً نفسه يمتلئ نعمة، وهذه النعمة
تكون معيناً له وتسنده، فمن يغصب نفسه على الصلاة تعطيه النعمة
أن يتذوق حلاوة الصلاة، ومن يغصب نفسه أن يمتنع عن خطية معينة تعطيه النعمة
معونة، ويصبح له طبيعة جديدة (2كو17:5) خليقة كارهة للخطية، فينظر ولا
يشتهي، بل يصبح لا يريد الخطية وهذا معنى قول بولس الرسول فإن الخطية لن تسودكم لأنكم
لستم تحت الناموس بل تحت النعمة (رو14:6) وهذه
النعمة هي عمل الروح القدس في
المؤمن المجاهد حتى يتحول لخليقة جديدة بها يخلص (غل15:6).
النعمة والناموس:
خلق الله الإنسان وفي داخله ناموس طبيعي هو
الضمير، به يميز ما بين الخير والشر، ولما سقط الإنسان أنحرف الناموس الطبيعي
وأصاب الإنسان حالة عمي، فأصبح لا يبصر ولا يميز الخير عن الشر، مندفعاً في هذا
وراء شهوته التي أنحرفت وأصبحت تشتهي الخطية. والإندفاع وراء شهوة الخطية يعني
الموت، وكما يقول القداس الغريغوري "أعطيتني الناموس عوناً" فالله أعطانا
الناموس كمرشد، لنميز الخير من الشر، ولكن الناموس كان عاجزاً عن تغيير الإنحراف
الذي حدث للطبيعة البشرية، لكنه كان عوناً. فمن غصب نفسه وإلتزم بالناموس خوفاً من
العقاب كان يحيا لذلك قيل أن الناموس كان مؤد بنا إلى المسيح
(غل24:4).
أما
النعمة فهي القوة المغيرة لطبيعتنا
التي نحصل عليها بالروح القدس وهذا ما كان ينقص الناموس، فالناموس يُحَرِّمْ ويمنع
دون أن يغير طبيعتي، ولكن النعمة تعطيني أن أكون خليقة جديدة كما يقول الرسول
بولس "إن كان أحد في المسيح فهو خليقة جديدة
(2كو17:5)
. هذه الطبيعة الجديدة تكون كارهة للخطية،
فالخطية فيها قد أدينت
(رو3:
. ومعنى أن الخطية قد أدينت أن الخطية
صارت كأنها مكتومة، لا سلطان لها على المؤمن. وكلما زادت النعمة، تموت الخطية، ولا
يعود المؤمن شاعراً بشهوة تجاهها.
هناك تشبيه للخطية وشهوة الخطية، بلعبة معروفة
تسمى "عفريت العلبة" وهي عبارة عن وجه أسود قبيح مخيف مركب على ياي أي
سوستة مضغوطة داخل علبة، ومن يفتح العلبة يقفز هذا الوجه القبيح تحت تأثير السوستة
في وجهه.
وشهوة الخطية داخل الإنسان العتيق هي هذا الوجه
القبيح ولكن النعمة تضغط هذه الشهوة الخاطئة فتكون كأنها غير
موجودة. ولكن من يهمل في جهاده، تقل
النعمة في داخله، فتطل الخطية
بوجهها القبيح في داخله. وكلما زاد جهاد الإنسان كلما امتلأ نعمة فوق نعمة فتدان
الخطية داخله أي تصبح مكتومة أو كأنها غير موجودة فيمتلئ القلب سلاماً وفرحاً.وهذا
الحال سيستمر حتى نموت ونتخلص من الجسد الحالي، ونحصل على الجسد الممجد الذي سيكون
مملوءاً نعمة وبلا خطية إطلاقاً. ولكن الصراع بين الجسد والروح سيظل طالما نحن في
هذا الجسد. وهذا ما جعل بولس الرسول يقول "ويحي أنا الإنسان الشقي من ينقذني
من جسد هذا الموت"
(رو24:7).
1-
النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس
تكتم فينا شهوة الخطية.
2-
النعمة هي قوة يعطيها الروح القدس
فيعيننا على حفظ الوصية ويصير تنفيذها سهلاً بالمسيح الذي فينا وهذا ما لا يستطيعه
الناموس. وهذا معنى قول أرمياء النبي ".. أجعل شريعتي في داخلهم وأكتبها على
قلوبهم" (أر33:31) وهذا كما يقول أرمياء هو العهد الجديد (أر31:31). وهذه
الآيات اقتبسها بولس الرسول (عب16:10). ولكن كيف تكتب الشريعة على القلب؟ هذا يكون
بالحب الذي يسكبه الروح القدس في قلوب المؤمنين (رو5:5) "لأن محبة الله قد
انسكبت في قلوبنا بالروح القدس المعطي لنا". فالروح القدس يعطينا أن نحب الله،
ومن يحب الله يحفظ وصاياه كأنها مكتوبة على قلبه، فمن يحب لا يقوى على خيانة من
يحبه
(يو21:14+23)
حينما خلق الله آدم كان آدم يحب الله. والقلب
الذي يحب هو قلب لحم فكان يطيع الله لأنه يحبه. ولما سقط آدم تحجر قلبه. فأعان
الله الإنسان بناموس هو وصايا كتبها الله على لوحين حجر إشارة لقلب الإنسان الذي
تحجر، والله كتب الوصايا بإصبعه أي بالروح القدس
(مت28:12+ لو20:11)
أما العهد الجديد فكان إصبع الله (الروح القدس)
يكتب الوصايا على قلب أولاد الله بأن يحول قلبهم لتصير بالمحبة قلوب لحم بدلاً من
قلوب حجرية (حز19:11)
3-
النعمة تعطى المؤمن قوة على احتمال
تجارب وآلام هذا العالم وذلك بأن تملأ القلب محبة لله، والمحبة تتحول إلى فرح قادر
أن يحتمل التجربة وهذا عمل الروح القدس المعزي، فالفرح الذي يعطيه الله هو فرح لا
يمكن لتجربة أن تؤثر فيه، وهذا عكس الأفراح العالمية، التي لا تستطيع أن تصمد أمام
التجارب الأليمة؟ فالتجارب الأليمة تقدر أن تنزع أفراحنا العالمية منا، بينما أن
الفرح الذي يعطيه الله لنا لا تستطيع التجارب الأليمة أن تنزعه منا
(يو22:16)
والمحبة تتحول لفرح.. وحتى ندرك هذا فلنتصور كيف
نفرح حينما نرى إنساناً نحبه جداً، وقد كنا محرومين من رؤيته. لذلك، الله يطلب منا
أن نحبه من كل القلب (تث5:6) ليس لأن الله في احتياج لمحبتنا، بل لأن الله يعرف أن
محبته قادرة أن تملأنا فرحاً. (انظر المزيد عن هذا الموضوع هنا في موقع الأنبا
تكلا في أقسام المقالات و التفاسير الأخرى). فنعود للحالة الفردوسية الأولى حين
خلق الله الإنسان في جنة عدن التي تعني الفرح والابتهاج فالله خلقنا لكي نفرح.
ولذلك يطلب منا بولس الرسول أن نفرح فهذه هي إرادة الله
(4:4)
بل هو اختبر هذا الفرح وهو مقيد في سلاسل
منتظراً حكماً بالموت قد يصدر ضده
(في18:1)
فالرسول كتب رسالة فيلبي (رسالة الفرح) وهو مقيد
في سجن نيرون، لكنه تغلَّب على الشدة الخارجية. فالغلبة والنصرة على الألم في
المسيحية لا تعني الخروج من الشدة، بل تعني حالة من الفرح تسود على القلب بينما هو
مازال في شدته "كحزانى ونحن دائماً فرحون"
(2كو10:6+ 2كو7:4-9)
والله خلق الإنسان بشهوات مقدسة، وكلمة مقدسة أي
مكرسة أو مخصصة لله، أي أن كل الحب متجه لله، لهذا كان آدم في جنة عدن أي الفرح
والابتهاج، بسبب الحب الذي في قلبه لله. والحب في قلب آدم لله، هذا لأنه مخلوق على
صورة الله والله محبة. وكما يقول الله لذاتي مع بني آدم
(أم31:
يقول آدم لذاتي مع الله. ولما سقط الإنسان إنحرف
الحب وأنحرفت الشهوة وصارت متجهة للعالم
(المال والجنس والمراكز والعظمة والقوة.. الخ)
ولذلك كان اول ما قيل بعد السقوط مباشرة ان آدم
وحواء عرفا انهما عريانين. واستعبد الإنسان للعالم والشهوة ففقد الفرح الحقيقي،
لقد ظن أن اللذة الوقتية هي الفرح، والشيطان دائماً يؤكد هذا، بأن يلفت أنظارنا
للذات العالمية فننسى أن نطلب الفرح الحقيقي "أعطيك كل هذه.. لكن خر واسجد
لي"
(مت10:4)
والعبودية لإبليس مذلة ولا يأتي من وراءها سوى الغم.
عموماً فهناك لذات عالمية كثيرة، ولكن هل هي قادرة على نزع الغم من قلب أم فقدت
ابنها، أو من قلب إنسان مقبل على الموت بسبب مرض خطير. قد نجلس أمام التليفزيون أو
غيره من الملاهي ساعات طويلة ظانين أن وراء هذا نوع من الفرح، ولكن هيهات أن ينزع
هذا الفرح العالمي الغم من القلوب، لا يستطيع هذا سوى عمل النعمة
الإلهية.
لذلك أرسل الله الروح القدس للإنسان ليعيد
المحبة داخله لوضعها الفردوسي الأول (الفردوس كان اسمه جنة عدن، وعدن تعني بهجة
وفرح)، أي تكون محبة مخصصة ومكرسة لله، فيحصل على الفرح الحقيقي القادر على الانتصار
على الألم، الألم الذي هو سمة لهذا العالم. وحيث أنه سمة لهذا العالم فنحن في حاجة
دائمة للامتلاء من النعمة لنغلب الألم.
ولنلاحظ أن الشيطان دائماً يعمي أعيننا عن طلب
الفرح الحقيقي الذي نحصل عليه بالنعمة أي بالإمتلاء من الروح القدس، وهذا نحصل
عليه بجهادنا. والشيطان يعمي أعيننا عن هذا بأن يشغلنا عن الجهاد بملذات العالم
وهدفه من هذا، أنه حين تأتي التجارب والآلام لا نجد ما يعزينا ولا حتى ملذات
العالم فهي غير قادرة على هذا فنندفع لليأس، بل نتصادم مع الله ونخسر أنفسنا ولأن
عمل الروح القدس هو أن يملأ القلب محبة لله
(رو5:5)
ومن ثم يمتلئ القلب فرح نسمع أن أول ثمار الروح
القدس هي المحبة (غل22:5-23)
فالروح القدس يصحح الأوضاع ويعيد الحياة للحالة
الفردوسية الأولى,. وإذا امتلأ القلب محبة، يمتلئ بالتالي فرحاً، فالمحبة تتحول
إلى فرح لذلك نجد أن ثاني ثمار الروح القدس هو الفرح، ثم يأتي السلام، سلام الله
الذي يفوق كل عقل. حقاً يعطينا الروح القدس أن نكون خليقة جديدة.
وهذا معنى كلام السيد المسيح
"احملوا نيري.. لأن نيري هين تعالوا إلىّ يا جميع المتعبين.. وأنا
أريحكم"
(مت28:11-30)
فالوصية نير ثقيل والتجارب الأليمة نير ثقيل.
ومن يأتي للمسيح ويرتبط معه، يحمل عنه
المسيح كل هذا.
والنير هو الخشبة التي تربط ثورين معاً لجر
المحراث ولكن تصور أننا ربطنا ثور مع جدي صغير في محراث بنير واحد، فعملياً يحمل
الثور كل الحمل، فالثور هو الأقوي وإذا ارتبطنا مع المسيح
بنير واحد، وحيث أنه هو الأقوى فهو سيحمل كل الحمل سواء وصية أو تجربة
أليمة.
من هم من خارج سيستغربون كيف نحمل التجربة بفرح،
أو كيف ننفذ الوصية بسهولة ولن يعلموا أن
المسيح هو الذي ينفذ ويحمل أحمالنا
فبدونه لا نقدر أن نفعل شيئاً
(يو5:15).
فقط حاول أن تنفذ الوصية وأن تصلي تجد الوصية
سهلة وتنفيذها سهل وإذا أصبت بتجربة صلي فترتبط بالنير مع المسيح
ولا تشعر أنت بهَمْ أو غم بل يكون الفرح الذي في داخلك أقوى مما في الخارج
من هم أو حزن. فبالصلاة نرتبط مع المسيح، فالصلاة هي صلة معه.
باختصار فالنعمة تعطينا أن نكون خليقة جديدة على
صورة المسيح
(غل19:4)
قادرين بسهولة أن ننفذ الوصية، نحيا في فرح
غالبين الآلام التي في العالم، الخطية وشهوتها ميتة فينا، لا سلطان لها علينا،
بهذا أي بعمل النعمة نخلص (أف8:2)
فالخلاص هو هذه الحياة الجديدة التي تنتصر وتغلب
العالم والخطية، الحياة التي يقودها
المسيح الذي خرج غالباً ولكي يغلب
(رؤ2:6)
يغلب فينا، فنحن هو الفرس الأبيض الذي يقوده
المسيح. والنهاية بعد حياة كلها نصرة وفرح، ونصرة على الآلام وفرح خلالها، ونصرة
على الخطية وشهوات هذا العالم، فهناك مجد معد لمن آمن وجاهد وقادته النعمة
ورافقته خلال رحلة غربته.
أية (17): "لأن الناموس بموسى أعطي.
أما النعمة والحق فبيسوع
المسيح صارا."
بعد أن قدًّم يوحنا الإنجيلي المسيح
في الآيات السابقة على أنه الكلمة الأزلي والحياة الذي صار نوراً للناس
وأنه الخالق الآتي للعالم فترفضه خاصته، وهو كان مملوءاً نعمة وحقاً وفيه نحن
نمتلئ. يقول الآن أنه هو يسوع المسيح= ويسوع تعني مخلص، والمسيح أي هو المسيا
المنتظر بحسب الأنبياء. لأن الناموس بموسى أعطى، أما النعمة..= الناموس كان مؤدبنا
إلى المسيح، هو يشير للخطية ويخيف من عواقبها، لكنه لا يعطي قوة. أما النعمة
أي القوة التي تعين على الخلاص فهذه قد كانت بالمسيح. الناموس لم يكن
يستطيع سوى أن يحرم ويمنع ويعاقب، والإنسان تحت الناموس كان يمتنع عن الخطية خوفاً
لا حباً، كان الإنسان قد فسد من الداخل، وأما
النعمة فهي تجعل المؤمن خليقة
جديدة لها قوة مستمدة من المسيح الذي يحيا فينا. هنا يضع يوحنا الناموس في
مقابل النعمة. لأن الناموس يدين والنعمة تعين وهذا لا يستطيعه الناموس. الناموس
شَخًّص وحكم على الإنسان بالموت، شخص الخطية وأجرة الخطية موت. والحق= عكس الحق هو
الباطل. والباطل أي العدم كظاهرة السراب. وسليمان الحكيم قال عن العالم بكل ما فيه
باطل الأباطيل. فمن يجري وراء لذات العالم يكون كمن يجري وراء سراب، هو لن يجني
شيئاً. لذلك قال أرمياء بلسان الله "تركوني أنا ينبوع المياه الحية لينقروا
لأنفسهم أباراً أباراً مشققة لا تضبط ماء"
(أر13:2).
وبنفس المعنى
. فمن هو أعمى سيظل يجري وراء العالم ظاناً أن
فيه شبع، لكنه لا يدري أنه يجري وراء سراب باطل. وأما من فتح المسيح
عينيه وحرره من حب هذا العالم، مثل هذا سيطلب الحق أي المسيح. أليس المسيح
هو الحياة، والحياة كانت نور الناس. فبالمسيح ندرك بطلان هذا العالم، بل
ندرك المجد المعد لنا في السماء. ففي
المسيح وحده شبع الإنسان
"تعرفون الحق والحق يحرركم"
(يو32:
فمعرفة
المسيح ستشبع النفس والروح فلا
تعود النفس تجري وراء أوهام باطلة، والروح القدس يعطي استنارة فنختار المسيح
المشبع دون العالم الباطل. ولنعرف صدق ذلك، لنرى أن أعلى نسب انتحار وأعلى
نسب تردد على الأطباء النفسانيون هي في أغنى دول العالم حيث كل شيء متاح. حقاً كل
المطالب المادية متاحة ولكن بلا شبع حقيقي، فهم ظنوا الإنسان جسداً فقط بلا روح.
والروح لا تشبع سوى في الله خالقها. والمسيح ما جاء لينقض الناموس
(مت17:5)،
بل ليكمله
(مت38:5-39)
والناموس كان ناقصاً لسببين:
1- كان اليهود غير قادرين على ما هو
أكثر(مر2:10-9).
2- الناموس كان أداة تأديب وليس قوة تغيير، لأن
الناس كانت تمتنع عن الخطية خوفاً من عقوبات الناموس. أما النعمة
فجاءت ليتكمل الإنسان، لذلك قال
المسيح على الصليب "قد
أكمل" وفي ظل النعمة يمتنع الإنسان عن الخطية بإرادته الحرة حباً في
المسيح. وهذا الحب كان بالروح القدس عطية العهد الجديد.
أية (18): "الله لم يره أحد قط الابن
الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خبَّر."
قارن مع "لا يراني الإنسان ويعيش"
(خر20:33) + "لحماً ودماً لا يرثان ملكوت الله" (1كو50:15). وكان ذلك
بسبب الخطية. لذلك يسوع المسيح الابن الوحيد لأبيه هو الوحيد الذي يستطيع أن
يخبر عن أبيه، بل هو الاستعلان الكامل لله، والاستعلان الوحيد لله، به وفيه نرى
الله الآب (يو26:8+40) +(32:10+ 7:14+ 15:15). بينما كان كل من يتكلم عن الله في
العهد القديم يتكلم عن أشباه السمويات وظلها (خر18:33-20)
في حضن الآب= الآب ليس له حضن فهو روح، إنما هي
تشير لذات الآب وعمق الآب وصميم جوهره. فالابن قائم في الآب وكائن معه في ذات
الجوهر. عبارة في حضن الآب تشير لعلاقة سرية خفية جداً، وهي تعبير يشبه قوله
"والكلمة كان عند الله" (آية (1) وهي تفيد أن الابن كائن بالحب في الآب
(يو16:8+ 10:14) ولنفهمها بتشبيه بشري، فنحن نقول أن الكلمة تكون في حضن عقولنا أو
أن الفعل يكون في حضن إرادتنا مختفياً. العبارة تعني في اليونانية متداخل مع الآب
أي ليس هناك ثنائية. الله لم يره أحدٌ قط= كان هناك بعض الظهورات في العهد القديم،
لإبراهيم ولموسى وليشوع ولإشعياء.. لكن كل هذا كان مجرد ظهورات:
1- إما بشكل إنساني كما حدث مع إبراهيم، وبصورة
يفهمها البشر مثل قوله "جالساً" مثلاً.
2- في حدود ما يحتمله الإنسان كما حدث مع موسى
حينما خبأه الله في نقرة في جبل.
· لكن لم يرى أحد الله في مجده لأنه كما قال
الله "لا يراني إنسان ويعيش" ومستحيل أن يدرك إنسان طبيعة الله ونحن في
هذا الجسد، لذلك قيل عن حزقيال أنه رأي "شبه مجد الله" كما أن رؤية الله
تعني معرفته، ولم يستطع أحد ذلك، لذلك جاء المسيح.
هو خبًّرْ= خبَّر تعني أعلن وأوضح فكل ما قاله
أو عمله المسيح أظهر لنا الآب فهو وحده الذي يعرفه. فالمسيح
حين أقام ميتاً كان يعلن أن إرادة الآب هي أن نحيا ولا نموت وحين فتح أعين أعمى
كان يعلن أن الآب يريد لنا الاستنارة وهكذا عرفنا ورأينا الآب "من رآني فقد
رأى الآب".
وكلمة يخبر باللغة اليونانية " تعني حل
الألغاز. وتعنى التفسير والشرح والتوضيح للأمور الخفية. فالمسيح هو الله المعلن.
والله هو من أعلنه المسيح في ذاته وفي أقواله وفي أعماله. وهكذا رأينا حب
الله الذي لا يوصف وتواضعه العجيب على الصليب وفي غسل الأرجل. لقد عرفنا صفات الله
حين رأينا المسيح. وعرفنا ارادة الله من نحونا ان تكون لنا حياة ابدية حينما
اقام المسيح اموات.
وان تكون لنا الاعين المفتوحة لنرى مجده نراه
حينما فتح المسيح اعين العميان
وان يشفى طبيعتنا حينما كان المسيح
يشفي المرضى....... وهكذا
لذلك هو الالف والياء اى كل حروف اللغة التي
نعبر بها عن ارادتنا، والمسيح كان هو الذي يعبر عن ارادة الآب ومحبته لنا.
منقول
اذكرونا واذكروا الخدمة فى صلواتكم
امـــــــــــــــــ+ـــــــــــــــــــــين